فصل: النوع السابع: ما يحتاج إلى وصفه من الآلات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.النوع السابع: ما يحتاج إلى وصفه من الآلات:

وهي أصناف:
الصنف الأول: الآلات الملوكية:
ويحتاج الكاتب إلى وصفها عند وصف المواكب الحفيلة التي يركب فيها السلطان، وهي عدة آلات: منها: الخاتم بفتح التاء وكسرها وحكى فيه ابن قتيبة والجوهري وغيرهما خيتام وخاتام؛ وهو ما جعل في الإصبع من الحلي، وهو مأخو من الختم، وهو الطبع؛ سمي بذلك لأنه يختم بنقشه على الكتب الصادرة عن الملوك. وسيأتي في الكلام على ختم الكتب: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى بعض ملوك الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرأون كتاباً غير مختومٍ، فاتخذ خاتماً من ورقٍ وجعل نقشه محمد رسول الله واقتدى به في ذلك الخلفاء بعده؛ ثم توسعوا فيه إلى أن جعلوا للكتب طابعاً مخصوصاً وأفردوا له ديواناً سموه ديوان الخاتم واقتفى الملوك أثرهم في ذلك، ثم غلب بمملكتنا وما ناهزها الاكتفاء في المكاتبات باللصاق، وصار اسم الخاتم مقصوراً على ما يجعل في الإصبع خاصة سواء كان فيه نقش أم لا؛ وصارت الملوك إنما تلبس الخواتم بفصوص الجواهر من اليواقيت ونحوها تجملاً، وربما بعثت بها في تأمين الخائف علامة للرضا عليه والصفح عما جناه واقترفه.
ومنها: المنديل بكسر الميم، وهو منديل يجعل في المنطقة المشدودة في الوسط مع الصولق وغيره؛ ثم جرى اصطلاح الملوك على البعث به في الأمانات كما تقدم في الخاتم.
والمنديلك آلة قديمة للملوك؛ فقد حكي أنه كان للأفضل بن أمير الجيوش أحد وزراء الفاطميين مائة بدلة مغلقة على أوتاد من ذهب، على كل بدلة منها منديل من لونها؛ ولم يكن المنديل من آلات الخلافة بل إنما كان من آلاتها البردة على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
ومنها: التخت، ويقال له: السرير؛ وهو ما يجلس عليه الملوك في المواكب، ولم يزل من رسوم الملوك قديماً وحديثاً، رفعةً لمكان الملك في الجلوس عن غيره حتى لا يساويه غيره من جلسائه؛ وقد أخبر تعالى في كتابه العزيز أنه كان لسليمان عليه السلام كرسي بقوله: {وألقينا على كرسيه جسداً} ورأيت في بعض التواريخ أنه كان له كرسي من عاج مغشى بالذهب.
ثم هذه الأسرة تختلف باختلاف حال الملوك، فتارة تكون من أبنية رخام ونحوه، وتارة تكون من خشب، وتارة من فرشٍ محشوة متراكبة، وقد حكي أنه كان لملوك الفرس سرير من ذهب يجلسون عليه، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أمر مصر يجلس مع قومه على الأرض غير مرتفع عليهم، ويأتيه المقوقس ومعه سرير من ذهب، يحمل معه على الأيدين فيجلس عليه فلا يمنعه عمرو من ذلك، إجراءً له على عادته في الملك فيما قيل، لما عقده له من الذمة واتخذه معه من العهد.
ومنها: المظلة، واسمها بالفارسية: الجنز بنون بين الجيم والزاري المعجمة ويعبر عنها العامة الآن بالقبة والطبر، وهي قبة من حرير أصفر، تحمل على رأس الملك، على رأس رمح بيدج أمير يكون راكباً بحذاء الملك، يظله بها حالة الركوب من الشمس في المواكب العظام، وسيأتي ذكرها في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية. وهذه الدولة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
ومنها: الرقبة، وهي لباس لرقبة فرس السلطان من حرير أصفر، قد طرزت بالذهب الزركش حتى غلب عليها وصار الحرير غير مرئي فيهان تشد على رقبة فرس الملك في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش الزركش المغطي لظهر الفرس وكفله.
ومنها: الغاشية، وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يظنها الناظر كلها ذهباً، ويلقيها على يديه يميناً وشمالاً.
ومنها: الحفتاه؛ وهي فرسان أشهبان قريباً الشبه، برقبتين من زركش، وعدة تضاهي عدة مركوب السلطان، كأنهما معدان لأن يركبهما السلطان، يعلوهما مملوكان من المماليك السلطانية قريبي الشبه أيضاً، على رأس كل منهما قبعة من زركش مشابه للآخر.
ومنها: المنطقة بكسر الميم وهي ما يشد في الوسط، وعنها يعبر أهل زماننا بالحياصة؛ وهي من الآلات القديمة؛ فقد روي: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان له منطقة. وهذه الآلة قد ذكرها في التعريف في الآلات الملوكية، على أن ملوك الزمان لم تجرلهم عادة بشد منطقة وإنما يلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع والتشاريف؛ وهي تختلف بحسب اختلاف الترتب، فمنها ما يكون من ذهب مرصع بالفصوص، ومنها ما ليس كذلك.
ومنها: الأعلام؛ وهي الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه، وهي من شعار الملك القديمة؛ وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد لأمراء سر إياه الرايات عند بعثها؛ ثم قد يعبر عن بعضها بالعصائب جمع عصابة، وهي الألوية، أخذاً من عصابة الرأس، لأن الراية تعصب رأس الرمح من أعلاه؛ وقد يعبر عنها بالسناجق جمع سنجق، والسنجق باللغة التركية معناه الطعن؛ سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح؛ والرمح هو آلة الطعن يسمى بذلك مجازاً.
ومنها: الطبول؛ ويقال لها: الدبادب، البوقات، والزمر المعروف بالصهان الذي يضرب به عشية كل ليلة بباب الملك وخلفه إذا ركب في المواكب ونحوها، وهي المعبر عنها بالطبلخاناه، وهي من شعار الملك القديم.
وقد ذكر في مسالك الأبصار: أن الطبل في بلاد المغرب يختص ضربه بالسلطان دون غيره من كل أحد كما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة المغرب في المسالك ولممالك إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني آلات الركوب:
وهي عدة آلات:
منها: السرج وهو ما يقعد فيه الراكب على ظهر الفرس؛ وأشكال قوالبه مختلفة، ثم من السرج ما يكون مغشى بالذهب، وهو مما يصلح للملوك.
ومنها: ما يكون مغشى بالفضة البيضاء، وكل منها قد يكون منقوشاً وقد يكون غير منقوش، ومنها ما يكون بأطراف فضة، ومنا ما يكون ساذجاً.
ومنها: اللجام وهو الذي يكون في فك الفرس بمنعه من الجماح؛ وقوالبه أيضاً مختلفة، ثم منها ما يكون مطلياً بالذهب، ومنها ما يكون مطلياً بالفضة، ومنها ما يكون ساذجاً، ومنها ما يكون رأسه وجنباه محلى بالفضة، ومنها ما يكون غير محلى.
ومنها: الكنبوش وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله؛ وهو تارة يكون من الذهب الزركش، وتارة يكون من المخايش، وهي الضة الملبسة بالذهب، وتارة يكون من الصوف المرقوم؛ وبه يركب القضاة وأهل العلم.
ومنها: العباءة بالمد وهي التي تقوم مقام الكنبوش.
ومنها: المهماز وهو آلة من حديد تكون في رجل الفارس، فوق كعبه، فوق الخف وما في معناه، ومؤخره إصبع محدد الرأس إذا أصاب جانب الفرس تحركت وأسرعت في المشي أو جدت في العدو، وهو تارة يكون من ذهب محض، وتارة يكون من فضة، وتارة يكون من حديد مطلي بالذهب أو الفضة؛ وقد اعتاد القضاة والعلماء في زماننا تركه.
ومنها: الكور وهو ما يقعد فيه الراكب في ظهر النجيب؛ وهو الهجين؛ والعرب تسميه: الرحل؛ ثم قد يكون مقدمه ومؤخره مغشى بالذهب أو الفضة، وقد يكون غير مغشى.
ومنها: المزمام وهو ما يقاد به النجيب، ويضبطه به الراكب كما يضبط الفارس الفرس بالعنان.
ومنها: الركاب وهو ما تجعل فيه الرجل عند الركوب، وكانت العرب تعتاده من الجلد والخشب، ثم عدل عن ذلك إلى الحديد.
قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل: وأول من اتخذه من الحديد المهلب بن أبي صفرة؛ وكانت ركب العرب من خشب فكان الفارس يصك الراكب بركابه فيوهن مرفقه.
ومنها: السوط وهو ما يكون بيد الراكب يضرب به الفرس أو النجيب، وأهل زماننا يعبرون عنه بالمقرعة لأنه يقرع به المركوب إذا تقاعس؛ وهو بدل من القضيب الذي كان للخلفاء على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
الصنف الثالث: آلات السفر، وهي عدة آلات:
منها: المحفة بكسر الميم وهي محمل على أعلاه قبة، وله أربعة سواعد: ساعدان أمامها وساعدان خلفها، تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى، تحمل على بغلين أو بعيرين يكون أحدهما في مقدمتها والآخر في مؤخرتها؛ وإذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير، لا يلحقه انزعاج؛ وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض.
ومنها: المحمل بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وهو آلة كالمحفة إلا أنه يحمل على أعلى ظهر الجمل بخلاف المحفة فإنها تحمل بين جملين أو بغلين.
ومنها: الفوانيس جمع فانوس وهو آلة كرية ذات أضلاع من حديد، مغشاة بخرقة من رقيق الكتان الصافي البياض، يتخذ للاستضاءة بغرز الشمعة في أسفل باطنه فيف عن ضوئها، ومن شأنه أن يحمل منها اثنان أما السلطان أو الأمير في السفر في الليل.
ومنها: المشاعل، جمع مشعل، وهي آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى، وفي أسفله خرقة لطيفة، توقد فيه النار بالحطب فيبسط ضوءه؛ يحمل أما السلطان ونحوه في السفر ليلاً أيضاً.
ومنها: الخيام، جمع خيمة؛ ويقال لها: الفسطاط والقبة أيضاً؛ ويه بيوت تتخذ من خرق القطن الغليظ ونحوه، تحمل في السفر لوقاية الحر والبرد؛ وكانت العرب تتخذها من الأديم، وقد امتن الله تعالى عليهم بذلك في قوله تعالى: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنطم ويوم إقامتكم}.
والملوك تتناهى في سعتها وتتباهى بكبرها. وسيأتي في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية أنه كان لبعض خلفائهم خيمة تسمى: القاتول، سميت بذلك لأن فراشاً من الفراشين وقع من أعلى عمودها فمات لطوله.
ومنها: الخركاه، وهي بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة ويغشى بالجوخ ونحوه، تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد.
ومنها: القدور، وجمع قدر، وهي الآلة التي يطبخ فيها وتكون من نحاس غالباً، وربما كانت من برام.
والملوك تتباهى بكثرتها وعظمها، لأنها من دلائل كرم الملك وكثرة رجاله، وقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بعظيم قدر ما كانت الجن تعمله له من القدور بقوله: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسيات}.
ومنها: الأثافي؛ وهي الآلة المثلثة التي تعلق عليها القدر عند الطبخ.
وتكون من حديد.
ومنها: النار التي يوقد بها للطبخ ونحوه، وقد تقدم في الكلام على نيران العرب ذكر نار القرى؛ وهي نار كانت ترفع ليلاً ليراها الضيف فيهتدي بها إلى الحي.
ومنها: الجفان، جمع جفنة، وهي الآن ية التي يوضع فيها الطعام؛ وقد تقدم في الكلام على القدور أنها مما كانت الجن تعمله لسليمان عليه السلام أيضاً. وقد كانت العرب تفتخر بكبر الجفان لدلالتها على الكرم، وفي ذلك يقول الأعشى في مدح المحلق ليلة بات عليه: نفي الذام عن آل المحلق جفنة كجابيه الشيخ العراقي تفهق قيل: أراد بالشيخ العراقي كسرى، فشبه جفنته بجفنته.
ومنها: حياض الماء؛ وهي حياض من جلد تحمل في السفر ليبقى الماء فيها لسقي الدواب ونحوها، وكبر قدرها دليل على رفعة قدر صاحبها وفخامته لدلالتها على كثرة دوابه، واتساع عسكره.
الصنف الرابع: آلات السلاح؛ وهي عدة آلات:
منها: السيف؛ وهو معروف. وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مأخوذ من قولهم: ساف إذا هلك لأنه به يقع الهلك.
واعلم أن السيف إن كان من حديد ذكر وهو المعبر عنه بالفولاذ قيل: سيف فولاذ، وإن كان من حديد أنثى وهو المعبر عنه في زماننا بالحديد قيل: سيف أنيث؛ فإن كان متنه من حديد أنثى وحداه من حديد ذكركما في سيوف الفرنجة، قيل: سيف مذكر. ويقال: إن الصاعقة إذا نزلت إلى الأرض وردت صارت حديداً، وربما حفر عليها وأخرجت فطبعت سيوفاً، فتجيء في غاية الحسن والمضاء. ثم إن كان عريض الصفيح قيل له: صفيحة؛ وإن كان محدقاً لطيفاً قيل له: قضيب؛ فإن كان قصيراً قيل: أبتر؛ فإن كان قصره بحيث يحمل تحت الثياب ويشتمل عليه قيل: مشمل بكسر الميم فإن كان له حد وجانبه الآخر جاف قيل فيه: صمصامة وبهذا كن يوصف سيف عمرو بن معدي كرب فارس العرب، فإن كان فيه حزوز مستطيلة قيل فيه: فقارات وبذلك سمي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار يروى أنه كان فيه سبع عشرة فقارة.
ثم تارة ينسب السيف إلى الموضع الذي طبع فيه، فيقال فيما طبع بالهند: هندي ومهند، وفيما طبع باليمن: يمان، وفيما طبع بالمشارف وهي قرى من قرى العرب قريبة من ريف العراق قيل له: مشرفي؛ فإن كان من المعدن المسمى بقساس؛ وهو معدن موصوف بجودة الحديد قيل له: قساسي.
وتارة ينسب السيف إلى صاحبه كالسيف السريجي نسبة إلى قين من قيون العرب اسمه: سريج، معروف عندهم بحسن الصنعة. ويوصف السيف بالحسام؛ وهو القاطع؛ أخذاً من الحسم، وهو القطع، وبالصارم؛ وهو الذي لا ينبو عن الضريبة.
والناس يبالغون في تحلية السيوف فتارة ترصع بالجواهر، وتارة يحلونها بالذهب، وتاره يحلونها بالفضة، وإن كان الاعتبار إنما هو بالسيف لا بالحلية.
ومنها: الرمح: وهو آلة الطعن. والرماح ضربان: أحدهما: متخذ من القنا، وهو قصب مسدود الداخل، ينبت ببلاد الهند يقال للواحدة منه: قناة، ويقال لمفاصلها: أنابيب، ولعقدها: كعوب؛ فإن كان قد نشأ في نباته مستقيماً بحيث لا يحتاج إلى تثقيف قيل له: الصعدة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين وان احتاج إلى تقويم مقوم قيل له: مثقف.
ويوصف القنا: بالخطي بفتح الخاء المعجمة نسبة إلى الخط؛ وهي بلدة بالبحرين تجلب إليها الرماح من الهند، وتنقل منها إلى بلاد العرب، وليست تنبت القنا كما توهمه ابن اصبغ في أرجوزته المذهبة.
الثاني: ما يتخذ من الخشب كالزان ونحوه، ويسمى: الذابل الذال المعجمة وكسر الموحدة.
ويقال للحديد الذي في أعلى الرمح: السنان، وللذي في أسفله: الزج والعقب. ويوصف الرمح: بالأسمر، لأن لون القنا السمرة، وبالعسال؛ وهو الذي يضطرب في هزه، وباللدان؛ وهو اللين، وبالسمهري، نسبة إلى بلدة يقال لها سمهرة من بلاد الحبشة، وقيل إلى المسهرة؛ وهي الصلابة.
ومنها: الطبر؛ وهو باللغة الفارسية الفأس، ولذلك يسمى السكر الصلب: بالطبرذ يعني الذي يكسر بالفأس. والى الطبر تنسب الطبر دارية وهم الذين يحملون الأطبار حول السلطان على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى.
ومنها: السكين، وسيأتي ذكرها في آلات الدواة في الكلام على آلات الكتابة، وإنما سميت سكيناً لأنها تسكن حركة الحيوان؛ وتسمى: المدية أيضاً لأنها تقطع مدى الأحل. وهذه الاشتقاقات أولى بآلة الحرب من آلة الكتابة.
وحاصل الأمر أن السكين تختلف أحوالها بحسب الحاجة إليها، فتكون لكل شيء بحسب ما يناسبه.
ومنها: القوس، وهي مؤنثة. والقسي على ضربين.
أحدهما: العربية، وهي التي من خشب فقط، ثم إن كانت من عود واحد قيل لها: قضيب، وإن كانت من فلقين قيل لها: فلق.
الثاني: الفارسية؛ وهي التي تركب من أجزاء من الخشب والقرن والعقب والغراء؛ ولأجزائها أسماء يخص كل جزء منها اسم؛ فموضع إمساك الرامي من القوس يسمى: المقبص؛ ومجرى السهم فوق قبض الرامي يسمى: كبد لقوس؛ وما يعطف من القوس يسمى: سية القوس، وما فوق المقبض من القوس، وهو ما على يمين الرامي يسمى: رأس القوس؛ وما أسفله؛ وهو ما على يسار الرامي يسمى: رجل القوس.
ومنها: النشاب؛ والنبلح فالنبل ما يرمى به عن القسي العربية؛ والنشاب ما يرمى به عن القسي الفارسية، حكاه الأزهري.
ومجرى الوتر من السهم يسمى: الفوق؛ حديده يسمى: النصل؛ والريش يسمى: القذذ؛ والسهم قبل تركيب الريش يسمى: القدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة.
ومنها: الكنانة، ويقال لها. الجعبة؛ وهي بكسر الكاف، وهي ظرف السهام، وتكون تارةً من جلد وتارة من خشب.
ومنها: الدبوس، ويسمى: العامود؛ وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لابس البيضة ومن في معناه؛ ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه به كان يقاتل.
ومنها: العصا؛ وهي آلة من خشب تفيد في القتال نحو إفادة الدبوس.
ومنها: البيضة،؛ وهي آلة من حديد توضع على الرأس لوقاية الضرب ونحوه، وليس فيه ما يرسل على القفا والآذان؛ وربما كان ذلك من زرد.
ومنها: المغفر بكسر الميم؛ وهو كالبيضة إلا أن فيه بأطرافاً مسدولة على قفا اللابس وأذنيه، وربما جعل منها وقاية لأنفه أيضاً، وقد تكون من زرد أيضاً.
ومنها: الدرع؛ وهو جبة من الزرد المنسود يلبسها المقاتل لوقاية السيوف والسهام؛ وهي تذكر وتؤنث، وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه ألين له الحديد فكان يعمل منه الدروع بقوله تعالى: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد}. وقوله: {وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم} ولذلك تنسب الدروع الفائقة إلى نسج داود عليه السلام.
ومن الدروع ما يقال لها: السلوقية، نسبة إلى سلوق قرية من قرى اليمن؛ وربما قيل: دروع حطومية بضم الحاء المهملة نسبة لحطوم رجل من عبد القيس.
واعلم أن لبس العرب في الحرب كان الزرد، أما الآن فقد غلب عمل الفرقلات من الصفائح المتخذة من الحديد المتواصل بعضها ببعض.
ومنها: الترس؛ وهو الآلة التي يتقي بها الضرب والرمي علن الوجه ونحوه، وتسمى: الجنة أيضاً، بضم الجيم، أخذاً من الاجتنان وهو الاختفاء؛ وربما قيل لها: الحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم ثم هي تارة تكون من خشب، وتارة تكون من حديد، وتارة تكون من عيدان مضموم بعضها إلى بعض بخيط القطن ونحوه؛ فإن كانت من جلد قيل لها: درقة بفتح الدال والراء المهملتين.
الصنف الخامس: آلات الحصار؛ وهي عدة آلات:
منها: المنجنيق: بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر النون الثانية وسكون الياء وقافٍ في الآخر وحكى ابن الجواليقي فيه كسر الميم، وحكي فيه منجنوق بالواو ومنجميق بإبدال النون الثانية ميماً؛ وهو أسم أعجمي، فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية، ويجمع على مجانيق ومناجيق.
قال الجوهري: وأصله منجيتيك وتفسيره بالعربية: ما أجودني. قال ابن خلكان: تفسير من وتفسير جي: ايش، وتفسير نيك: جيد.
قال ابن قتيبة في كتابه المعارف وأبو هلال العسكري في الأوائل: وهو آلة من خشب لها دفتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل وذنبه خفيف، وفيه تجعل كفة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر، يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه، ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفة فيخرج الحجر منه فما أصاب شيئاً إلا أهلكه.
وأول من وضع المنجنيق: جذيمة الأبرش ملك الحيرة على العرب. وذكر الواحدي في تفسير سورة الأنبياء: أن الكفار لما أضرموا النار لإحراق إبرايم عليه السلام ولم يقدروا على القرب من النار ليلقوه فيها، فجاءهم اللعين إبليس فعلمهم وضع النجنيق فعملوه وألقوه فيه فقذفوا به في النار، فكن أول منجنيقٍ عمل.
ومما يلتحق بالمنجنيق: الزيارت، وهي اللوالب والحبال التي يجذب بها المنجنيق حتى بنحط أعلاه ليرمى به الحجر.
ومنها: السهام الخطاية؛ وهي سهام عظام يرمى بها عن قسي عظام توتر بلوالب يجربها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر.
ومنها: مكاحل البارود؛ وهي المدافع التي يرمى عنها بالنفط، وحالها مختلف: فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تحرق الحجر، وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل؛ وقد رأيت بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين، في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله بها مدفعاً قد صنع من نحاس ورصاصٍ وقيد بأطراف الحديد رمي عنه من الميدان ببندقةٍ من حديد عظيمة محماة، فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر؛ وهي مسافة بعيدة.
ومنها قوارير النفظ؛ وهي قدور ونحوها يجعل فيها النفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق؛ على أن القوارير في اللغة اسم للزجاج وإنما استعيرت في آلات النفط مجازاً.
ومنها الستائر؛ وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك.
الصنف السادس: آلات الصيد وهي عدة آلات:
منها قوس البندق ويسمى الجلاهق قوس يتخذ من القنا ويلف عليه الحرير ويغري؛ وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرمي.
ومنها الجراوة؛ وهي آلة من جلد يجعل فيها البندق الطين الذي يرمى به القوس المقدم ذكره.
ومنها الشباك؛ وهي آلة تتخذ تعقد من خيطان وتنصب لا قتناص الصيد، وكذلك تطرح في الماء فيصاد بها السمك.
ومنها الزبطانة؛ وهي آلة من خشب مستطيلة كالرمح مجوفة الداخل يجعل الصائد بندقة من طين صغيرة في فيه، وينفخ بها فيها فتخرج منها بحدة فتصيب الطير فترميه؛ وهي كثيرة الإصابة.
ومنها الفح؛ وهو آلة مقوسة لها دفتان تفتحان قسراً، وتعلقان في طرف شظاة ونحوها، إذا أصابها الصيد انطبقة عليه.
ومنها الصنانير، جمع صنارة؛ وهي حديدة معقفة محددة الرأس يصاد بها السمك.
الصنف السابع: آلات المعاملة وهي عدة آلات:
منها الميزان، وهو أحد الآلات التي يقع بها تقدير المقدرات، فالموازين قديمة الوضع؛ قال تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} وأمر شعيب عليه السلام قومه بإقامة القسط بالوزن كما أخبر تعالى عنه بقوله: {وزنوا بالقسطاس المستقيم}.
قال أبو هلال العسكري: وأول من اتخذ الموازين من الحديد عبد الله بن عامر. قال: وأول من وضع الأوزان سمير اليهودي، وذلك أن الحجاج ضرب الدراهم بأمر عبد الملك بن مروان ونهى أن يضر بها أحد غيره، فضربها سمير، فأمر الحجاج بقتله لا جترائه عليه. فقال سمير: أنا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي، فوضع الأوزان: وزن ألف وخمسمائة إلى وزن ربع قيراط، وجعلها حديداً فعفا عنه.
وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره، وأكثرها يؤخذ عدداً.
ومنها: الذراع، مؤنثة، وهي أحدى الآلات التي تقدر بها المقادير أيضاً، بها تقدر الأرضون، ويقاس البز وما في معناه؛ ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتعاملون بها على اختلافها؛ وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه}. وقد ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية سبع أذرع: إحداها العمرية؛ وهي الذراع التي قدرها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمسح سواد العراق. قال موسى بن طلحة: وطولها ذراع وقبضة وإبهام. قال الحكم بن عتيبة: عمد عمر رضي الله عنه إلى أطولها ذراعاً وأقصرها ذراعاً، فجمع منها ثلاثة وأخذ الثلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاماً قائمة، ثم ختم في طرفها بالرصاص، وبعث بذلك إلى حذيفة وعثمان بن حنيف فمسحا بها السواد.
الثانية الهاشمية، وتسمى الزيادية.
قال: وهي أربع وعشرون إصبعاً، كل إصبع سبع شعيرات معتدلات معترضات ظهراً لبطن، كل شعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون؛ وهذه الذراع التي يعتمدها الفقهاء في الشرعيات، وبها قدروا البريد المعتبر في مسافة قصر الصلاة وغيرها، وربما عبروا عنها بذراع الملك؛ وسميت بالهاشمية لأن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس اعتبرها وعمل بمقتضاها في المساحة وتبعه سائر خلفائهم إلى ذلك؛ وبنو العباس من بني هاشم، فنسبت إلى بني هاشم مباينة لمن تقدمهم من خلفاء بني أمية.
قال الماوردي: وتسمى الزيادية، لأن زيادا مسح بها السواد أيضاً.
الثالثة البلالية؛ وهي أنقص من الهاشمية المقدم ذكرها ثلاثة أرباع عشرها؛ وإنما سميت البلالية لأن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري هو الذي وضعها، وذكر أنها ذراع جده أبي موسى.
الرابعة السوداء؛ وهي دون البلالية بإصبعين وثلثي أصبع؛ وأول من وضعها الرشيد، قدرها بذراع خادم أسود كان قائماً على رأسه.
قال الماوردي: وهي التي يتعامل بها الناس في ذرع البز والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر.
الخامسة اليوسفية؛ وهي دون الذراع السوداء بثلثي إصبع؛ وأول من وضعها أبو يوسف صاحب أبي حنيفة.
قال الماوردي: وبها يذرع القضاة الدور ببغداد.
السادسة القصبة؛ وهي أنقص من الذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع، وأول من وضعها ابن أبى ليلى القاضي.
قال الماوردي: وبها يتعامل أهل كلواذى.
السابعة المهرانية؛ قال الماوردي: وهي بالذراع السوداء ذراعان وثلثا ذراع، وأول من وضعها المأمون؛ وهي التي يتعامل بها في حفر الأنهار ونحوها.
ومنها: المقص بكسر الميم وهو الآلة المعروفة، وينتفع به في أمور مختلفة.
الصنف الثامن: آلات اللعب:
وهي عدة آلات منها: النرد بفتح النون وسكون الراء المهملة وهو من حكم الفرس، ضعه أرد شير بن بابك أول طبقة الأكاسرة من ملوكهم، ولذلك قيل له: نرد شير؛ وضعه مثالاً للدنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتاً بعدد شهور السنة، والمهارك ثلاثين قطعة بعدد الكواكب السيارة، كل وجهين منها سبعة: وهي الشش ويقابله إليك، والبنج ويقابله الدور، والجهار ويقابله الدو، والجهار ويقابله الثا؛ وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر، تارة له وتارة عليه، وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش، إلا أنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتالي، وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه، مع الوقوف عند ما حكمت به الفصوص كما هو مذهب الأشاعرة، لكن قد وردت الشريعة بذمه، قال صلى الله عليه وسلم من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وفي رواية: ملعون من لعب بالنردشير. وفي تحريمه عند أصحابنا الشافعية وجهان: أصحهما التحريم، والثاني الكراهة. وإذا قلنا: حرام، فالأصح أنه صغيرة، وقيل: كبيرة.
ومنها: الشطرنج بفتح الشين المعجمة أو السين المهملة لغتان، والأولى منهما أفصح وهو فارسي معرب، وأصله بالفارسية شش رنك، ومعناه ستة ألوان وهي: الشاه والمراد بها الملك والفرزان، والفيل، والفرس، والرخ، والبيدق.
ثم الشطرنج من أوضاع حكماء الهند وحكمهم. وضعه صصه بن داهر الهندي لبلهيب ملك الهند مساواة لأردشير بن بابك في وضعه النرد، وعرضه على حكماء زمانه فقضوا بتفضيله؛ ثم عرضه على الملك وعرفه أمره، فقال: احتكم علي، فتمنى عليه عدد تضعيف بيوته من قمحة إلى نهاية البيوت، فاستصغر همته وأنكر عليه مواجهته بطلب نزرٍ يسير، فقال: هذه طلبتي، فأمر له بذلك، فحسبه أرباب دواونيه فقالوا للملك: إنه لم يكن عندنا ما يقارب القليل من ذلك، فأنكر ذلك فأوضحوه له بالبرهان، فكان إعجابه بالأنر الثاني أكثر من الأول.
قال ابن خلكان: ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية، فأوضح لي ذلك وبينه؛ وذلك أنه ذكر أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر، فإثبت فيه اثنين وثلاثين ألفاً وسبعمائة وثمانية وستين حبة، وقال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح، ثم ضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة؛ ثم أنتقل من الويبات إلى الأردب، ولم يزل يضعفها حتى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردباً وثلثي إردب، وقال: هذا المقدار شونة، ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفاً وأربعة وعشرين شونة، وقال: هذا المقدار مدينة، ثم إنه ضاعف ذلك البيت إلى الرابع والستين، وهو نهايتها؛ فكانت الجملة ست عشرة ألف مدينة وثلثمائة وأربعاً وثمانين مدينة، وقال: تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد.
قال الصلاح الصفدي في شرح اللأمية: وآخر ما اقتضاه تضعيف رقعة الشطرنج ثماينة عشر ألف ألف ست مرات، وأربعمائة وستة وأربعون ألفاً خمس مرات، وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفاً أربع مرات، وثلاثة وسبعون ألفاً ثلاث مرات، وسبعمائة وتسعة آلاف مرتين، وخمسمائة وأحد وخمسون ألفاً، وستمائة وخمس عشرة حبة عدداً.
قال الشيخ شمس الدين الأنصاري: إذا جمع هذا العدد هرماً واحداً مكعباً، كان طوله ستين ميلاً، وعرضه كذلك، وارتفاعه كذلك، وارتفاعه كذلك؛ بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع.
واللعب بالشطرنج مباح؛ وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في المهذب: أن سعيد بن جبير الإمام الكبير التابعي المشهور كان يلعب الشطرنج عن استدبار. وممن يضرب به المثل في لعب الشطرنج الصولي، وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول تكين الكاتب. ويقال: إن المأمون كان لا يجيد لعب الشطرنج، فكان يقول: عجباً مني كيف أدبر ملك الأرض من الشرق إلى الغرب ولا أحسن تدبير رقعة ذراعين في ذراعين. ثم في حله عند أصحابنا الشافعية ثلاثة أوجه أصحها أنه مكروه، والثاني أنه مباح، والثالث حرام؛ فإن اقترن به رهن من الجانبين وأحدهما فإنه محرم بلا نزاع.
الصنف التاسع: آلات الطرب:
وهي عدة آلات منها العود، وهو آلة من خشب مخرقة، له عنق ورأسه ممال إلى خلفه، وهو آلة قديمة وتسمية العرب المزهر بكسر الميم وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدراً وأطيبها سماعاً، حتى يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: لا، وأمال رأسه إلى خلفه فهي ممالة لأجل ذلك.
ومنها الحنك؛ قال في التعريف وهو آلة محدثة طيبة النغمة، لذيذ السماع يقارب العود في حسنه، وشكله مباين لشكل العود، ورأسه ممال إلى أسفل، يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: نعم، يريد العود.
ومنها الرباب بفتح الراء وهي آلة مجوفة مركب عليها خصلة لطيفة من شعر ممر عليها بقوس وتره من شعر فيسمع لها حس طيب؛ وأكثر من يعاينها العرب.
ومن أنواعها نوع يعبر عنه بالكمنجة لطيف القدر في تدوير، أطيب حسا وأشجى من الرباب.
ومنها الدف بضم الدال وهو معروف، ثم إن كان بغير صنوج وهي المعبر عنها في زمننا بالصراصير حل سماعه، أو بصنوج فالأصح كذلك.
ومنها الشبابة بفتح الشين وهي الآلة المتخذة من القصب المجوف، ويقال لها: اليراع أيضاً، تسمية لها باسم ما اتخذت منه، وهو اليراع يعين القصب؛ وربما عبر عنها بالمزمار العراقي، وتصحيح مذهب الشافعي رضي الله عنه يختلف فيها، فالرافعي رحمه الله يجيز سماعها والنووي يمنع من ذلك.
الصنف العاشر: المسكرات وآلاتها:
وهي عدة أشياء منها الخمر؛ وهي ما اتخذ من عصير العنب خاصة، وهي محرمة بنص القرآن. قال تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} وأبو حنيفة يبيحها للتداوي والعطش، ولم تبح عند الشافعية إلا لإساغة لقمة المغصوص خاصة، وشاربها يحد بالاتفاق؛ وحكم بنجاستها تغليظاً في الزجر عنها؛ وأباح أبو حنيفة المثلث: وهو ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وقال بطهارته، وجرى عند أصحابنا الشافعية وجه بالطهارة.
أما المتخذ من الزبيب والتمر وما شاكله فإنما يقال له نبيذ، وقد ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى القول بتنجيسه والحد بشربه وإن لم ينته منه إلى قدر يحصل منه سكر. ومنع أبو حنيفة الحد في القدر الذي لا يسكر.
ثم للخمر أسماء كثيرة باعتبار أحوال، فتسمى الخمر لأنها تخمر العقل أي تغطيه، والحميا لأنها تحمي الجسد، والعقار لأنها تعاقر الدن أي تطول مدتها فيه إلى غير ذلك من الأسماء التي تكاد تجاوز مائة.
ومنها الإبريق، وهو الإناء الذي يصب منه؛ والإبريق في أصل اللغة ماله خرطوم يصب منه.
ومنها القدحن وهو إناء من زجاج ونحوه يصب فيه من الإبريق المقدم ذكره.
ومنها الكأس؛ وهو القدح بعد امتلائه، ولايسمى كأساً إذا كان فارغاً بل قدحاً كما تقدم.
ومنها الكوب بالباء الموحدة وهو الذي لا عروة له يمسك بها، أما إذا كانت له عروة فإنه يقال له كوز بالزاي المعجمة.
قلت: والعجب ممن يذهب طيباته في حياته الدنيا، ويفوز بما وصفه المرارة وطبعه إزالة العقل الذي به مما يتخيرون {ولحم طير مما يشتهون * وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاءاً بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاماً}.
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة! فلا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا.
ومنها: الحشيشة التي يأكلها سفلة الناس وأراذلهم، وتسميها الأطباء بالشهدانج، وعبر عنها ابن البيطار في مفرداته بالقنب الهندي، وهي مذمومة شرعاً، مضرة طبعاً، تفسد المزاج، وتؤثر فيه الجفاف وغلبة السوداء، وتفسد الذهن، وتورث مساءة الأخلاق، وتحط قدر متعاطيها عند الناس؛ إلى غير ذلك من الصفات الذميمة المتكاثرة. وكلام القاضي حسين يدل على أنه لا يحد متعاطيها وإن فسق، فإنه قال: وغير الخمر مثل البنج وجوز ماثلٍ والأفيون لا يحد متعاطيه بحال؛ بل إن تعمد تنأوله فسق به، وإن تنأوله غلطاً أو للتداوي لم يفسق؛ وقد أفرد ابن القسطلاني الحشيشة بتصنيف سماه تكرمة المعيشة، في ذم الحشيشة ذكر الكثير من معانيها ومساوي متعاطيها، وأعاذنا الله تعالى من ذلك.